آخر كتاباتي مقتبسة من قارئة الفنجان .. جلستُ أمامها والرعشة في عينيها تسبق كلامها، تحدّق في فنجانٍ مقلوب كأنه قلبٌ انقلب على صاحبه. قالت: لا تخف يا بُني… الحبّ اختارك قبل أن تختاره، والوجع كُتب عليك بخطٍ واضح لا يمحوه الزمن. قالت: من يموت في الحب لا يُهزم… هو شهيد قلبه، حتى وإن عاش العمر كله حيًّا. رأت في الفنجان طرقًا كثيرة لكنها لم ترَ طريقًا يشبه طريقك، وقرأت وجوهًا وأقدارًا ولم تمرّ يومًا بحزنٍ يحمل ملامح حزنك. قدرك أن تمشي في بحرٍ بلا شراع، أن تبحر بقلبك وحده وتترك النجاة خلفك. عمرك كتاب صفحاته مبتلة بالدمع، وقلبك سجين بين نار الشوق وماء الانتظار. ورغم كل ما احترق داخلك، ورغم الريح، ورغم العاصفة التي لا تهدأ، سيظل الحب… أجمل ما خذلك يومًا. قالت: ستدخل حياتك امرأة عيناها صلاة، وصوتها موسيقى لا تُحفظ… بل تُعاش. ضحكتها فجأة ربيع، وشعرها فوضى تشبهك، إن أحبّت صار العالم أوسع، وإن غابت صار كل شيء ضيقًا. لكن سماءك لن تصحو، وطريقك سيبقى مغلقًا، فمن أحببت تنام خلف أبوابٍ عالية، تحرسها الأسئلة وتحاصرها المستحيلات. من اقترب منها ضاع، ومن حاول لمس الحلم لم يعد. ستبحث عنها في الوجوه، في المدن، في صوت الموج، وفي صمت الشواطئ. ستسأل البحر عنها ولا يجيب، وتبكي حتى يصير حزنك شجرًا وجذوره في صدرك. وستعود يومًا منهكًا، مكسور الخاطر، لتدرك متأخرًا أنك كنت تطارد وهمًا له شكل الدخان. فمن أحببت لا أرض لها، ولا وطن، ولا عنوان. وأصعب ما في الحب يا بُني أن تعشق قلبًا لا يمكن الوصول إليه، ولا يمكن نسيانه.

1

2