كُنتُ أبحثُ دائمًا عن شخصٍ أُصارحه بما يثقلُ قلبي؛ عن مَلاذٍ لا أحتاجُ فيه لتبريرِ حزني. طالما رغبتُ أن أكونَ على سَجيَّتي، بعيدًا عن تلك القلعةِ التي بنيتُها بصمتي. أردتُ فقط أن أُسقِطَ ذلك الوجهَ المتماسك الذي يظنُّه الناسُ قوة، وما هو إلا قناعٌ أختبئُ خلفَه. أخفيتُ كلَّ شيءٍ بداخلي، حتى اعتقدَ الجميعُ أنني بخير، بينما كانت الكلماتُ تتكدّسُ في صدري، تترقّبُ الخروج، كسجينٍ أبصرَ الشمسَ بعد سنواتٍ من الدجى. ورغم حاجتي للكلام، لم أبحث يومًا عن شفقةٍ عابرة، بل عن قلبٍ يُجيدُ الإصغاء؛ قلبٍ يسمع بصدق، دون أن يتركَ الحديثُ بيننا ندبةً أو عتابًا. كنتُ أبحث عن روحٍ تتّسع لهمومي، لا تضيق بها، وتزرع في طريقي كلمةً طيّبة. وربما آنَ الأوانُ ألّا أبتلعَ الكلمات قبل أن تولد، وأن أدركَ أن البوحَ ليس ضعفًا، بل أولُ خطواتِ السلام. والآن، أقفُ عند عتبة البوح، مُلقيًا عن كاهلي ثِقلَ السنين. لستُ خائفًا من القادم؛ فبمجرد أن كسرتُ حاجز الصمت، بدأتُ أشعر بنسمات الحرية. وكما يجذبُ النورُ الفراش، يجذبُ البوحُ الأرواحَ التي تتقنُ لغةَ التفاهم. أعلم أن الروحَ التي تُشبهني في طريقها إليّ، وأن صمتي القديم لم يكن إلا تمهيدًا لحكايةٍ جديدة.

7

11