Potato_76035 🇪🇬
منذ أسبوع واحد
.
شعور لا مبالٍ
من أربع أيام، الساعة 11 بليل وانا ماسك موبايلي أشغل حاجة جنبي لحد ما أنام، بمجرد ما مسكته جاتلي نوتفكيشن إن خالي اتوفى خالي كان مهندس معماري وكان من أكتر الناس في دفعته شهرة، اشتغل في شباب ولمدة عشرين سنة ويمكن أكتر مخطط مدن في دول خليجية وله تصميمات معمارية مشهورة كتيرة في القاهرة ممكن تكون بتعدي عليها كل يوم وماتعرفش مين اللي عملها من تلت سنين كانت صدمة كبيرة شوية لما ماما قالتلي إن خالي جاتله جلطات في المخ وهيجي يقعد معانا فترة علشان نراعيه، مراته بعد ما انفصلوا اتوفت قبلها في الكورونا، وولاده كلهم بقوا عايشين برا مصر، وبقية اخوات ماما أشقاء وغير أشقاء يا اما برا مصر يا ماتوا من زمان يا اما ماعندهمش مساحة انهم يستقبلوه ويرعوه بعد ما طلع من المستشفى خالي وانا طفل ياما كان بيتخانق معايا وبيتناقش في اللي بقراه في وقت ماحدش كان بياخدني فيه بجدية وكنت طفل وحيد، اخواتي أكبر مني بفرق سن كبير شوية فعلى ما ابتديت أوعى كانوا سابوا البيت واستقلوا بحياتهم، والدتي شغلها واخدها وأبويا ماليش أي علاقة بيه من صغري بعد انفصاله عن ماما، وأكيد مش محتاج تخمن إن ماكانش ليا صحاب كتير في المدرسة والدروس علشان مافيش حاجة بتجمعني بيهم ولا أراضي مشتركة، فزيارات خالي مناقشاتنا وانا لسة عيل صوته ناعم ورفيع ومايعرفش حاجة عن العالم غير من اللي بيقراه في الكتب وبيشوفه في الأفلام وبيسمعوا في أغاني الروك، كان دايما وجوده في البيت على فترات قصيرة بيدي حياة شوية للبيت وبيديني مساحة أختبر الأفكار اللي عندي لكن كل صورتي عن خالي المهندس المعماري العبقري اتبخرت بعد دا بسنين لما جالنا البيت بعد ما طلع من المستشفى بعد ما حرفيا كان بيصارع الموت، الحاجة الوحيدة اللي بتميزه - مخه - اتعطلت، بيكون كلمتين بالعافية، بيسأل نفس السؤال خمس مرات في عشر دقايق، مابيقدرش يمشي لوحده، ماعدش واعي بأي حاجة حواليه، وملامح براءة وسذاجة أطفال بقت على وشه، أي حاجة هتقولهاله هيصدقها، وسواء صدقها أو ماصدقهاش فدا مالوش معنى لأنه هينسى وهيسألك تاني في أغلب الوقت كنت انا اللي معاه في البيت وبديله حقنه وأدويته بعد خناق كتير، كأني بشوف نسخة الطفل مني اللي بيهرب من حقنة التطعيم، أو عيان شوية وكل اللي حواليه بيخدموا عليه علشان مايحسش بأقل قدر من الألم، وبعدين رمضان جيه ودي كانت خناقات كبيرة بينه وبين ماما وزعيق مابيقفش في البيت لأنه مش عايز يصوم، هو ناسي كل حاجة بس مانسيش احتياجاته الأساسية في الحياة، السجاير والنيسكافيه البلاك اللي مابيبطلش شربهم طول الوقت، كل محاولاتنا في اننا نضحك عليه وناخده على قد عقله ونخبي عنه علب السجاير او نخليه يصوم بالعافية فشلت، الصيام ماكانش بس احتياج ديني هنا، هو فعلا كان محتاج مايشربش سجاير ويبتدي ياكل أكل صحي علشان الأدوية تشتغل قبل ما الحالة تسوء رمضان عدى ومشي في أول يوم عيد، قعد معانا الفترة دي كلها لحد ما الحجز بتاعه يتم في دار للمسنين خاصة بمرضى الألزهايمر، وعلى قد ما كنت مرتاح يوم ما مشي إن الخناقات والزعيق ووالرعاية كلها هتنتهي، على قد ما كنت زعلان علشان انا عارف إن صورة خالي اللي أعرفه في طفولتي انتهت ومافيش سبيل لإرجاعها، آخر الألوان الوردية اللي كنت محتفظ بيها من طفولتك الألزهايمر اللي بيسحب الحياة والنور من حياة أي حد خطفها منك في خلال التلت سنين اللي قضاهم في المصحة ماما رفضت تروحله لأن حالته كانت بتسوء أكتر وأكتر، تخيل كل الممرضين والدكاترة والمسئولين اللي في المكان فشلوا في انهم يسيطروا عليه ويخلوه يبطل سجاير، والألزهايمر اللي بيخلي المخ يتحلل ويتراجع كمان بياكل النهايات العصبية، ماكلمتوش غير مرة واحدة على التليفون وكان فاكرني حد من عيلتنا مات في التمانينات، وفي أواخر أيامه المرض كان ساء لدرجة إن الماية والأكل بقوا بيروحوا دايركت على الرئة ومابقاش عنده صوت حتى يتأوه في آخر أسبوعين كانت الفكرة عمالة تلح عليا إني أروح أزوره وكنت مقرر إني الأسبوع الجاي دا هروحله، علشان من أربع أيام تيجيلي الرسالة أول حد إنه اتوفى، ولحد دلوقت مش حاسس بحاجة، مافيش غضب، مافيش عياط وشحتفة، مافيش غير إني مهدود وحاسس إن الطاقة كلها مسحوبة مني وماعنديش أدنى تركيز، بفكر في كل الاحتمالات البديلة، بفكر في الـ legacy اللي سابه ورايا اللي بقى منبع حزن وألم بالنسبة لي على كل الإمكانيات المهدرة، وفي إني كنت بحبه لدرجة إني صعبان عليا النهاية دي وإنه كان يستاهل وداع أحسن، بس دا بيكون حب مؤلم إنك تكون بتحب حد أكتر ما هو بيحب نفسه، أو إنك تكون بتحب حد مخه متعطل لدرجة إنه مش مدرك معنى الحب من أساسه
2
1